الزرابي الفريدة للرحل الأمازيغ في المغرب

أُقيم معرض في متحف “إيف سان لورون” بمراكش ، سلّط الضوء على تاريخ صناعة الزرابي في المغرب. فألهمني ذلك أن أكتب عن الزرابيّ الأمازيغية عامّة، وعن قبيلة آيت خباش وزرابيّها خاصّة، لأن المعرض قد ركزعلى هذه القبيلة.‎صنعت الشعوب الجبلية الزرابي منذ آلاف السنين لمواجهة شدة البرد والرياح القوية. وتُستعمل الزرابي في عمل أنواع من الأثواب، والسجاد، والفرش والأكفان، وكذلك لتزيين المنازل. ويظن بعضهم أنها تقي من الطاقات السلبية والأرواح الشريرة بالإضافة إلى الوقاية من العناصر الطبيعية. ‎تعتبرالأشكال في التصاميم مثل لغة رمزية؛ فهي تمثل مفهومات مختلفة، والألوان كذلك لها معاني. مثلا الأزرق يمثل الحكمة والأخضر السلام. ولذلك يقال إن كل زربية تحكي حكاية فريدة.

آيت خباش تنتمي إلى قبائل آيت عطة في الصحراء الشرقية. امتدت أراضيها من واحات تافلالت إلى واحات بشار في الجزائر، حتى أحدثت القوات الحكومية الفرنسية حدودا عبر السهول فخسرت القبيلة ثلثي أراضيها في عام ١٩٥٦، وأصبحت هذه الأراضي التي خسرتها جزء من الجزائر. استقرت القبيلة في الناحية الغربية من تلك الحدود.‎لقد عاشت قبيلة آيت خباش حياة الترحال خمسة قرون قبل التدخل الفرنسي في الأمور المغربية، وبعد ذلك اضطُرت أن تعيش حياة أقل ترحالا وأكثر استقرارا.
‎ عانت كثيرا المجتعات البدوية من الجفاف الذي أصاب الصحراء في السبعينيات، فقد أجبرت من تبقى من الرعاة البدو على ترك أسلوب حياة أسلافهم. أسسوا قرى قريبة من واحات أو مصادر للمياه الجوفية. فرغم تغير الأحوال، استمرت المجتمعات في إنتاج الحرف التقليدي،حيث نسجت النساء الخيام والأغطية والملابس. فأثر التغير في معيشتهم ، حيث أصبحت تعتمد على المنسوجات، مثلا صارت الأغطية أكبر بسبب الحياة المستقرة؛ لم تحتج المصممات إلى أن يفكرن في المقاس والوزن.

‎ولكن أدى هذا الانتقال من معيشة الترحال إلى المعيشة المستقرة إلى نتيجة أشد من ذلك. فقد أدى إلى نقص في أعداد الماشية وتضاءل إنتاج الصوف حتى صار نادرا، فبحثت الناسجات عن أقمشة أخرى وبدأن في تفتيق السترات المحبوكة. وذهبت النساء إلى مدينة الريصاني ليشترين سترات مستعملة من السوق. أوجد هذا الحل ألوانًا متعددة في الزرابي التي كانت تصنع عادة من الصوف الطبيعي فتكون لها ألوان قليلة. فضلت كثير من النساء الحيوية والتباين في هذه الألوان وأصبحن مصممات حقا، أصبحن موهوبات ومؤهلات في تجميع أقمشة متنوعة ودمج ألوان مختلفة. ‎أدّت هذه الظروف والتحديات إلى إبداع عظيم بفضل التحرر من القيود الأسلوبية. فصناعة الزرابي التي أصبحت تأخذ حلة جديدة وبأقمشة مختلفة قدّمت فرصة للتعبير لهؤلاء النساء، وأتاحت لنا هذه الزرابي فرصة للنظر في شخصية الناسجة وقدرتها التقنية. تساهم كل زربية في تراث قبيلي جماعي ونتيجة لذلك تتمتع قبيلة آيت خباش بسمعة متميزة في مجال نسج الزرابي.

يقدم المعرض نظرة مهمة عن تاريخ صناعة الزرابي في المغرب وتاريخ قبيلة آيت خباش وتطورها الإبداعي. وكذلك زرت المتحف الأمازيغي حيث توجد معروضات ذات دلالة عميقة، بما فيها المجوهرات البديعة والأدوات والملابس وغير ذلك، فأخذت فكرة عظيمة عن الثقافة الأمازغية الملموسة. ولكن الجانب الذي أقدره كثيرا في المعرض أنه يعرفنا بالناسجات.من السهل جدا علينا نحن الأجانب أن ننظر إلى ثقافة أخرى، خصوصا في شأن الزرابي المغربية بسبب شعبيتها بين الغربيين، ونقدر الجودة الفنية بدون التفكير أو الاهتمام بالشعوب التي أوجدت المنتوج وقصتها. ولذلك كنت مسرورة بإمكانية القراءة عن هؤلاء النساء وأسرهن وقصصهن خلال المعرض، ونرى صورهن ونعرف أسماءهن. هذا التعريف بالنساء الناسجات هو خطوة مهمة جدا في إزالة الهوة بين زائري المعرض الأجانب والثقافة المغربية المرئية.

This entry was posted in Uncategorized. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *