السرطان ليس عدوى، بل آفة صحية تحتاج لتكاثف الجهود

شادية الإبراهيمي

مركز قلم ولوح، الرباط المغرب

لا أحد يتقبل أن يستفيق يوما على خبر إصابته بالسرطان، هكذا عبرت سيدة أربعينية عن حالة الذهول التي أصابتها لحظة تلقيها الخبر، هي مستفيدة حاليا من مأوى جمعية جنات لمرضى السرطان بالرباط، وتنحدر من دوار نواحي العرائش، حيث كانت هي الوحيدة من بين نساء القرية التي تحمل هذا المرض الخبيث، قالت وعينيها تغالبان الدمع: عندما كنت أتردد على مستوصف الجماعة القروية، كانت كل الأصابع تشير إلي، “إنها السيدة المسكينة المصابة بالسرطان”، أحسست بالضعف وبأنني لا أنتمي لبقية الجنس البشري، خصوصا عندما كان الجميع يتحاشى مصافحتي أو الاقتراب مني أو مشاركتي الطعام.

هي شهادة من بين شهادات عدة قدمتها النساء بهذا الخصوص فمعظم مرضى السرطان يعانون من العزل والاستبعاد، والتهميش في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، إضافة إلى شدة تشاؤم المجتمع، بالرغم من أن الحالة النفسية الجيدة لمريض السرطان تعتبر سببا أساسيا في علاجه. ولعل ما يؤزم الوضع أكثر هو اعتقاد البعض أن السرطان يؤدي حتمًا للوفاة وأنه لا فائدة من العلاج أو إجراء الفحوصات اللازمة وأنه على المريض أن يتقبل ذلك، الشيء الذي يجعل المريض يخفي عن المجتمع مرضه بالسرطان، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو الخوف من الوصمة الاجتماعية.

زيارة جمعية جنات لإيواء مرضى السرطان كانت كفيلة بمعرفة وجه آخر من أوجه المعاناة اليومية التي تواجه المريض، وتحديدا الإقصاء المجتمعي، في هذه الجمعية تستفيد العديد من النساء القادمات من مناطق نائية في المغرب، كان لطلاب المركز فرصة للقاء بهم والتقرب منهم ومواساتهم ومحاولة التخفيف عن آلامهم، ولعل الهدف الأساسي هو إيصال رسالة للجميع مفادها أن: مريض السرطان ليس فيروسا معديا، بل شخصا يحتاج إلى الدعم والمؤازرة”.
المعاناة الجانبية التي يعانيها مريض السرطان هي نتاج المجتمع، وتزيد من تعميق الإحساس بالألم
المعاناة الجانبية التي يعانيها مريض السرطان تزيد من تعميق الإحساس بالألم

يلفّ مرض السرطان الكثير من المعتقدات الخاطئة سواء في المغرب أو في باقي بلدان العالم، هذه المعتقدات تعيق خطط الوقاية والعلاج، وتؤثر بشكل سلبي على المرضى، ومن بين هذه المعتقدات الأكثر ضررا أن السرطان قد ينتقل من شخص لآخر، والحقيقة غير ذلك فالسرطان ليس مرضاً معدياً كما صرح الأطباء، فالأفكار المترسخة في عقول البعض من الناس هي عارية تمامًا من الصحة ومن المنطق، ونحن بحاجة إلى تصحيح المفاهيم والمعتقدات الخاطئة التي ينظر بها المجتمع نحو مرض السرطان، فالمرض ليس وصمة عار أو مرضاً وبائياً، وعلى وسائل الإعلام تغيير النظرة النمطية للمجتمع نحو المصابين وإعادة صياغة السلوك المجتمعي نحوهم.

هذا ما أكد عليه شباب من ثقافات مختلفة في مقهى اللغة العربية حيث طرح موضوع مرضى السرطان بين المعاناة الصحية والنظرة المجتمعية، وناقشوه من حيث تأثير هذا العزل المجتمعي على وضعية مرضى السرطان، وأكدوا أن نظرة المجتمع لمريض السرطان هي نظرة قاسية جدا تبتدأ بالشفقة وتنتهي بالإقصاء والعزلة، كما أشار المتدخلون إلى دور هذه النظرة السلبية لمرضى السرطان في عرقلة العلاج وتقبل المرض.

هذه المعاناة الجانبية التي يعانيها مريض السرطان هي نتاج المجتمع، وتزيد من تعميق الإحساس بالألم، هذا في ظل وضع يجدر التركيز فيه على معاناة المريض الصحية وتيسير طرق العلاج، فمرض السرطان تفاقم وازدادت عدد حالات الإصابة به، كما صرح السيد عبد الله ساسيوي الكاتب العام لجمعية جنات لإيواء مرضى السرطان، أثناء محاضرة قدمها بمناسبة اليوم العالمي للسرطان.

حيث أكد أن عدد حالات الإصابة بالسرطان التي تم اكتشافها وصلت في السنة الماضية وحدها إلى 52783 حالة، على رأسها سرطان الثدي، ثم سرطان الرئة، وسرطان القولون، وسرطان البروستات، وسرطان عنق الرحم الذي سُجّلت إصابة 3388 مغربية به، إضافة إلى سرطانات أخرى.

هذا في ظل واقع صعب يعيشه المرضى بحثا عن العلاج، فعلى الرغم من توفر المغرب مثلا على تسعة مراكز للسرطان تتوزع بين (الرباط والدار البيضاء والحسيمة وأكادير وجدة، ومراكش وفاس ومكناس وطنجة)، إضافة إلى مركزين متخصصين في علم الأورام النسائية، ومركزين آخرين لطب الأورام عند الأطفال بالرباط والدار البيضاء.

بالرغم من هذه المجهودات المبذولة من طرف الدولة، وإحراز تقدم لافت في التكفل بالمصابين بالسرطان، مازال هناك نقص في التكفل بجميع حالات السرطان لعدم توفر مراكز العلاج في عدد من المناطق الأخرى.

إن الحديث عن هذه المعاناة تستدرجنا ثانية للتأكيد على أن مريض السرطان لديه ما يكفي من الآلام ليواجهها، تبدأ بالبحث عن العلاج ثم تحمل آلام العلاج، انتهاء بمواجهة المجتمع، فالمفروض أن يكون هذا الأخير داعما له ومخففا عن آلامه، عوض أن نزيد الطين بلة ونزيد من آلامه عبر عزله وإقصائه وتفاديه مجتمعيا.

إن اليوم العالمي لمحاربة السرطان هو فرصة للالتفاتة إلى هذه الفئة من الناس المصابين بهذا المرض، وفتح نقاش جاد حول وضعيتهم وحول السبل الممكنة لتوفير العلاج وتقريبه منهم، وكذلك حشد أصوات الدعم المجتمعي والمؤازرة النفسية.

This entry was posted in Uncategorized. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *