المغرب: نموذج للتسامح والحرية والتعايش بين الأديان

شادية الإبراهيمي

مركز قلم ولوح، الرباط المغرب

كان المغرب ومازال البلد الأكثر تسامحا وانفتاحا، حيث يتعايش في نسيجه المجتمعي ديانات متعددة استطاعت أن ترسم لها مسارا سلميا تتشابك فيه العلاقات وتتداخل فيه تفاصيل الحياة اليومية، وقد شكل اليهود أحد العناصر الأساسية في المجتمع المغربي في مختلف الحقب التاريخية، سواء في المدن أو في القرى.

المحاضرة الأسبوعية: تاريخ العلاقات الإسلامية اليهودية في المغرب

من خلال برنامجنا الثقافي في المركز اللغوي العربي قلم ولوح أبينا إلا أن نسلط الضوء على هذا المسار التاريخي لتعايش الأديان في المغرب وخصوصا الديانة اليهودية، أو اليهود المغاربة كما اعتدنا تسميتهم، وتنفيذا لهذا البرنامج كان لطلابنا موعد مع المحاضرة الأسبوعية التي ألقاها الدكتور عبد الغني منديب، الأستاذ في جامعة محمد الخمس بالرباط والمتخصص في علم الاجتماع وقضايا الدين والمجتمع.

وتمحورت المحاضرة على تاريخ العلاقات الإسلامية اليهودية في المغرب من خلال المحاور التالية:

الأقلّية اليهودية على امتداد التاريخ المغربي

العلاقات بين اليهود والمسلمين في الكتابات التاريخية

المناصب السامية لليهود المغاربة عبر التاريخ

التسامح الديني بين اليهود والمسلمين: وضعية أهل الذمة

الشخصيات اليهودية البارزة بالمغرب الراهن.

هذا وقد أشار الأستاذ إلى الدور الفاعل الذي لعبه اليهود المغاربة عبر تاريخ المغرب، فرغم التحولات السياسية والاجتماعية المستمرة التي كان يعرفها المغرب، لم يسجل في فترة من الفترات غياب اليهود عن التركيبة المجتمعية المغربية، بل لم يكن حضورهم عاديًا في مجتمع المغرب الذي يمكن القول بأنه مجتمع مسلم في أغلبيته الساحقة، إذ إن اليهود تبوَّأوا مناصب مهمة في مختلف طبقات المجتمع وعلى اختلاف مجالاته الحيوية.

ثم انتقل بعد ذلك ليتحدث عن مدى قبول اليهود المغاربة وتقلدهم لمناصب عليا وقد قدم الأستاذ في هذا الصدد نموذجين حيين وهما ميمران وقد عمل مستشارا للمولى إسماعيل خلا فترة حكمه، وابن العطار “دبوماسي يهودي” كان قد وقع على معاهدة بين المغرب وإنجلترا سنة 1721، هذا يدل على الاندماج والتعايش الذي كان سائد بين اليهود والمغاربة، وعمل العائلات الحاكمة على إدماجهم في تسيير شؤون البلاد، بعدها عرج على شرح مستفيض لأهل الذمة وهو أهل الكتاب بمعنى آخر، والمؤامرات التي نسجت لزعزعة الاستقرار وخلق التفرقة بين كل من الأمازيغ والمسلمين العرب من خلال الظهير البربري من جهة، ومن جهة ثانية التفرقة بين اليهود والمغاربة من خلال فرنسة الأقلية اليهودية وترويج الشائعات، ثم بعدها تلا ثلة من الشخصيات اليهودية البارزة في المغرب ومن بينهم: أندري أزولاي “مستشار الملك”، سيون أسدون ”مناضل حقوقي”، أدمون عمران المليح “كاتب”، هذا وأكد الأستاذ في نهاية محاضرته على أن العلاقات بين اليهود والمسلمين هي علاقات إنسانية تفاعلية مبنية على التسامح والتعايش والاندماج بين الطرفين. 

زيارة ميدانية استكشافية: إلى حي الملاح اليهودي بمدينة الرباط

إن الحديث عن التاريخ الحقيقي لاستقرار اليهود في المغرب تؤكده معطيات حية، من بينها أحياء الملاح التي ماتزال صامدة في أغلب المدن المغربية ومن بينها حي الملاح بالرباط. لهذا برمجنا زيارة استكشافية لهذا الحي الذي مازال يتوسط مدينة الرباط العريقة، رفقة طلابنا مؤطرين بمرشد سياحي.

فمن بين مجالات التعايش بين المسلمين في المغرب يطالعنا مجال السكن، كما أن بيوت اليهود كانت تبنى مثل بيوت المسلمين ولا ينعزل بعضها عن البعض الآخر إلا لمامًا، وهي عبارة عن حجرات تعيش فيها العديد من الأسر في وئام تام وتنفتح على ساحات مشتركة وتستعمل فيها المراحيض بشكل مشترك.

جال الطلاب في الأرجاء وتعرفوا على تاريخ الحي ونشاطات سكانه والعلاقات التي كانت تربط بين الجيران فيه، وكانت فرصة لإعطاء صورة واقعية وأقرب للطلاب حول التسامح الديني والتعايش الذي عرفه المغرب وما زال يعرفه إلى الآن.

إضافة إلى الدور الاقتصادي الذي لعبه اليهود في تحريك عجلة الاقتصاد المغربي إبان فترات استقرارهم، وقد تجلى ذلك في اهتمامهم بالصناعة، الحرف التقليدية خاصة، ويرجع ذلك إلى تعاليم دينهم التي تفرض على كل يهودي تعليم ابنه حرفة منذ صغر سنه، إضافة إلى براعتهم وإتقانهم لمختلف الحرف اليدوية مثل صياغة الذهب والفضة، كما استطاع اليهود بفضل مساهمتهم الفعالة في الأنشطة الاقتصادية تحسينَ الوضعية الاقتصادية للمغرب.

مقهى اللغة العربية: التعايش الديني بين الماضي والحاضر

تم تتويج هذه السلسلة من الأنشطة بنقاش بناء حول التعايش الديني في مختلف بقاع العالم، ما الذي تغير، هل ما زلنا نقبل الاختلاف الديني كما عهدنا في السابق؟ ما دور وسائل الإعلام والعولمة في تفعيل التعايش بين الشعوب والأديان؟

كلها أسئلة حاول طلاب مركزنا الإجابة عليها من خلال نقاش مستفيض مع ضيوف مقهى اللغة العربية، الشباب المفكر الحالم بغد أفضل. وقد أثمر هذا النقاش مجموعة من الخلاصات لعل أهمها:

على الإنسان قبول الأديان على الرغم من اختلافها واختلاف معتنقيها. 

انعدام التعصب والتمييز بين الناس على اختلاف أديانهم. 

وجود بعض التغييرات بين الماضي والحاضر من الناحية الدينية. 

المساهمة الوازنة لوسائل الاعلام في نشر ثقافة التعايش الديني بين الديانات. 

التعايش هو دعوة إلى الحياة بمختلف تجلياتها…. 

وفي الختام لابد من القول إن الحاجة إلى تكريس مبدأ التعايش الديني ضرورة ملحة في وقتنا الحالي لما وصلنا إليه من مظاهر العنف، وأدواته، وارتكابه بحق الإنسانية والإنسان عموماً في كل بقاع الأرض، وباتت الدعوة لأهمية التعايش الديني الكريم، هدفاً ومبتغى في آن، فلابد من نشر مبادئ العيش المشترك، وتطبيق تلك المبادئ بين تلك الأمم، دون أن يتم تهميش حضارة دون أخرى. وأن يكون التعايش بكلّ صوره الإيجابية قائماً ومصاناً من الجميع.

كما نؤكد على أن المغرب هو واحد من الوجهات التي تستهوي الباحثين عن الأمن والاستقرار، لما يوفره بمعية نسيجه الثقافي والمجتمعي من حرية دينية وأمن داخلي وفرص متعددة للاندماج والتعايش.

This entry was posted in Uncategorized. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *